السرطان عند النباتات |
النباتات أيضًا يمكن أن تصاب بالسرطان. ربما تكون هذه المعلومة البسيطة مفاجئة وغير مألوفة للكثيرين منا؛ فغالبيتنا يربط هذا المرض بالبشر والحيوانات فقط، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن الإصابة بأمراض السرطان يتواجد أيضًا في النباتات!
أولًا.. هكذا تنشأ الخلايا السرطانية
قبل إضافة المزيد من التفاصيل حول الكيفية التي تصاب بها النباتات وبعض الميكروبات بالسرطان، ربما علينا أولًا أن نشرح ما معنى كلمة سرطان؟ أو لنكون أكثر دقة ونقول: ما هي الخلايا السرطانية بالضبط؟
يعرف على أنه عبارة عن مجموعة من الأمراض التي تنطوي على نمو غير طبيعي للخلايا مع إمكانية غزو هذه الخلايا وانتشارها في أجزاء أخرى من الجسم. وبالتالي يتناقض هذا التعريف مع الأورام الحميدة التي لا تتميز بأنها نمو غير طبيعي لبعض الخلايا، لكن دون القدرة على الانتشار.
عادة تتكاثر الخلايا الحية من خلال عملية تسمى «انقسام الخلايا» لتشكيل خلايا جديدة، وهو ما يعطي الكائنات الحية القدرة على النمو وزيادة الحجم من جهة، وتعويض الخلايا المتضررة والتالفة من جهة أخرى. في الخلايا الطبيعية تتحكم مئات الجينات بشكل معقد في عملية انقسام هذه الخلايا، بعضها ينشط عملية الانقسام والآخر يكبحها. ويتطلب النمو الطبيعي توازنًا بين نشاط كلا النوعين من الجينات.
تتحول الخلايا الطبيعية إلى خلايا سرطانية بعد تراكم طفرات في الجينات المختلفة التي تتحكم في تكاثر الخلايا. ونتيجة لذلك تخرج عملية انقسام الخلايا عن السيطرة ويزيد معدل التكاثر بشكل كبير، إما لزيادة نشاط الجينات المسؤولة عن تنشيط التكاثر، أو لتوقف عمل الجينات المسؤولة عن كبح جماح عملية التكاثر.
بمرور الوقت تصبح هذه الخلايا مقاومة بشكل متزايد للضوابط التي تحافظ على أنسجة الخلايا الطبيعية، ونتيجة لذلك فإنها تنقسم بسرعة أكبر من أسلافها، بل يصبح بإمكانها تجنب عملية برمجة موت الخلايا الطبيعي المدمج في جينات كل خلية (لكل خلية عمر افتراضي معين موجود في الجينات بحيث تموت في وقت معين لتحل محلها خلايا جديدة شابة، ولهذا مثلًا نقول إن عمر خلايا الدم الحمراء 120 يومًا).
أحدها يشبه سرطان عنق الرحم في الإنسان!
بحسب التعريف السابق، فإن أي نوع من الخلايا المبرمجة على الانقسام يمكنه أن يفقد السيطرة على تلك العملية وتتحول هذه الخلايا إلى خلايا سرطانية. يمكن أن يكون للسرطان في النباتات العديد من الأسباب المختلفة، ولكنها عادة ما تكون نتيجة الإصابة بعدوى.
إذ تؤدي مجموعة صغيرة من أمراض النبات إلى حدوث نمو موضعي لخلايا بعض الأنسجة. هذه كلها مرتبطة بمسببات الأمراض مثل الفيروسات، أو البكتيريا، أو الآفات، مثل بعض الحشرات.
أحد أبرز مسببات الأمراض التي تؤدي لظهور الأورام في النباتات هي بكتيريا «Agrobacterium tumefaciens»، والتي تتسبب في ظهور العقدة المنتفخة التي يطلق عليها اسم «crown gall»، في كثير من الأشجار. هذا الأمر مشابه لسرطان عنق الرحم في البشر الذي ينشأ نتيجة الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري.
من الأمثلة الشائعة الأخرى مرض تورم الجذور (clubroot)، الذي يؤثر على «العائلة الكرنبية» مثل الكرنب، والبروكلي، والقرنبيط، والفجل، واللفت، ويسبب تشوهًا للجذور، وأحيانًا دمار المحاصيل الزراعية. يحدث هذا المرض عندما تصاب هذه النباتات بأحد الكائنات الحية الدقيقة التي تشبه الفطريات في التربة، ويسمى «Plasmodiophora brassicae». شاهد هذا الفيديو لتتعرف عن شكل المرض في النباتات:
هناك مثال آخر يتمثل في مرض يسمى مكنسة الساحرة (witches’ broom)، والذي ينتج عنه تشوه في نمو سيقان النباتات الخشبية مثل الأشجار، حيث يتغير الهيكل الطبيعي للنبات، وتنمو كتلة كثيفة من البراعم من نقطة واحدة ليصبح شكل ساق النبات شبيهًا بمكنسة الساحرات أو عش الطائر.
يعد هذا النمو المرضي مهمًا من الناحية الاقتصادية لأنه يدمر بعض المحاصيل المهمة، مثل شجر الكاكاو. ينتج هذا المرض في أشجار الكاكاو نتيجة إصابتها بفطر يسمى «Moniliophthora perniciosa». هذا الفيديو يحتوي صور على شكل المرض في النباتات:
مثال أخير هنا يتمثل في مرض العقد السوداء والذي تسببه جراثيم «Dibotryon morbosum»، ويؤثر على أشجار الكرز، والبرقوق، والمشمش، والخوخ. ينتج المرض عقدًا سوداء خشنة تطوق الأجزاء المصابة وتقتلها، وتوفر موطنًا للحشرات؛ مما يسبب تلف الثمار.
لكن.. ما الفرق بين السرطان في النبات والحيوان؟
مما سبق نلاحظ أن أمراض سرطان الحيوان لا تتشابه مع تلك الموجودة في النباتات. فسرطانات النبات تختلف عن سرطانات الحيوانات في جزئيتين رئيستين.
الاختلاف الأول يتمثل في أن النباتات تتميز بأنها لا تحتوي على خلايا تنتشر عبر أنظمة ما في كامل الجسم، بينما الحيوانات تمتلك الجهاز الدوري الذي يعني أن الدم يدور في كل أنحاء الجسم بلا توقف، ويمكن من خلاله إيصال أي شيء إلى أي مكان في كافة أنحاء الجسم.
اختفاء مثل هذا النظام في النباتات يعني أن سرطانات النباتات لا يمكنها الانتشار من مكان لآخر. هي هنا تشبه الأورام الحميدة التي تصيب الحيوانات، والتي تتميز بأنها لا تنتشر. لاحظ أن عملية الانتشار التي تحدث للسرطانات في الحيوانات تكون هي عادة ما يقتل الحيوان.
أما الاختلاف الثاني فهو أن النباتات لا تحتوي على أي أعضاء ضرورية للحياة، بينما الحيوانات تحتوي على الكثير من الأجهزة الحيوة التي لا يستطيع العيش بدونها. فإذا دمر الورم السرطاني عضوًا مثل الدماغ أو الكبد، فإن الإنسان أو الحيوان سيموت. لكن الأمر أقل سوءًا في النباتات، فإذا مات فرع ما، أو جزء منها بسبب الورم، فيمكنها دائمًا إنشاء أو الاعتماد على الأفرع والأجزاء البديلة.
وبالتالي حتى نكون أكثر دقة، يمكننا القول إن النباتات لا تصاب بأورام سرطانية خبيثة (cancers) ولكن تصاب بأورام (tumours). الأزمة الكبيرة في هذه الأمراض السرطانية في النبات، رغم أنها لا تسبب موت النبات نفسه، لكنها يمكن أن تدمر بعض الأجزاء المهمة للإنسان، مثل تدمير محصول الكاكاو، أو تشويه أوراق الكرنب، فتصبح المحاصيل غير صالحة للاستخدام البشري، وتسبب خسائر اقتصادية!
وهل تصاب البكتيريا والفطريات أيضًا بالسرطان؟
حتى الآن لا يوجد ذكر واضح أو تأكيد يتعلق بالكائنات الحية وحيدة الخلية، مثل الفيروسات، والبكتيريا، والفطريات، وإمكانية إصابتها بالسرطان. السبب هنا يعود إلى أن مثل هذه الكائنات تفضل بالتأكيد التكاثر والانقسام السريع كلما أتيحت لها الفرصة من أجل البقاء، وبالتالي فإن خلاياها تنقسم بسرعة بشكل افتراضي بالفعل.
الفرق الوحيد مع الحيوانات ومع النباتات أن هذه الكائنات مكونة غالبًا من خلية واحدة، وبالتالي كيف ستتحول إلى سرطان؟ ففكرة السرطان تتطلب وجود نسيج كامل من الخلايا التي يمكن أن تخرج بعضها عن السيطرة في عملية الانقسام فتشكل ضغطًا وعبئًا على بقية الخلايا. وهذا ما لا يوجد هنا.