recent
أخبار ساخنة

خطر انتشار الطاعون بكاليفورنيا بعد اكتشافه بين سناجب أحد مقاطعاتها

الصفحة الرئيسية



السلطات المحلية أغلقت منطقة ليك تاهو الجنوبية خوفا من انتشار الطاعون (مواقع التواصل)



حذرت السلطات الأميركية سكان كاليفورنيا في الثاني من أغسطس/آب الجاري من خطر الإصابة بالطاعون وذلك بعد التأكد من إصابة السناجب البرية (chipmunks) في منطقة ليك تاهو الجنوبية (South Lake Tahoe).


ووفقا لصحيفة تاهو ديلي تريبيون (The Tahoe DailyTribune) فقد أصدر المسؤولون قرارا بإغلاق عدة مواقع بالمنطقة المجاورة في ليك تاهو الجنوبية 5 أيام (من 2 إلى 6 أغسطس/آب الجاري) وذلك بعد ظهور نتائج اختبارات الطاعون الإيجابية. وقد أكدت الصحيفة أنه لم يتم رصد أي احتكاك صريح ما بين السناجب المصابة وسكان المناطق المجاورة.


الطاعون ظهر بين سناجب مقاطعة إلدورادو بولاية كاليفورنيا الأميركية (غيتي إيميجز)


ظهور الطاعون من جديد


ووفقا لإدارة الصحة في كاليفورنيا فإن ظهور البكتيريا المسببة للطاعون -والتي تسمى "يرسينيا بيستيس Yersinia pestis- لا يعتبر حدثا جديدا من نوعه، حيث يعرف أنها كانت موجودة وبشكل طبيعي منذ زمن بعيد في بعض أجزاء كاليفورنيا، بما في ذلك مقاطعة إلدورادو حيث تقع ليك تاهو الجنوبية.


وقد شهد عام 2020 تسجيل إصابة مؤكدة لأحد سكان ليك تاهو الجنوبية بالطاعون، والتي اعتبرت الحالة الأولى في الولاية منذ 5 سنوات حسب ما ورد في تقرير موقع لايف ساينس Live Science.


ووفقا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، تسجل حوالي 7 حالات من الطاعون بمعدل وسطي كل عام في الولايات المتحدة. وتحدث معظم الحالات في شمال نيو مكسيكو وشمال أريزونا وجنوب كولورادو وكاليفورنيا وجنوب أوريغون وأقصى غرب نيفادا.


اشتهر الطاعون بأنه "الموت الأسود" في أوروبا القرن 13 الميلادي. ولا تزال العدوى تحدث في العصر الحديث، رغم أن الحالات البشرية نادرة نسبيا ويمكن علاجها عادة بالمضادات الحيوية الشائعة. وقد رصدت معظم حالات الإصابة بالطاعون على المستوى العالمي في أفريقيا منذ التسعينيات.



كمامة الطاعون التي كانت مستخدمة بأوروبا القرن 17 (المتحف الألماني للتاريخ في برلين)



خطر القوارض


ينتشر المرض عن طريق القوارض، بما في ذلك السناجب والجرذان وتنقله البراغيث إلى الإنسان الذي يمكن أن يصاب بالطاعون عن طريق لدغات البراغيث أو من خلال ملامسة الأنسجة أو السوائل الجسدية لحيوان مصاب.


ونتيجة لذلك فقد شدد المسؤولون على ضرورة تجنب الاتصال بالحيوانات البرية خاصة من قبل الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الموبوءة بالطاعون أو ممن يقومون بزيارتها لغرض السياحة.


وفي بيان رسمي صادر عن حكومة إلدورادو بتاريخ 3 أغسطس/آب الجاري، شدد الدكتور بوب هارتمان، مسؤول الصحة العامة المؤقت بالمقاطعة، على ضرورة "عدم الاحتكاك أو التعامل مع القوارض في مناطق النزهات أو المخيمات وعدم الاقتراب من القوارض المريضة أو الميتة".


كما أكد البيان أنه يتوجب على البشر إبعاد الحيوانات الأليفة عن جحور القوارض وارتداء سراويل طويلة واستعمال طارد للحشرات بغرض تخفيف التعرض للبراغيث.


وحسب ما ورد في البيان، فقد صرح مسؤولون على المستوى المحلي والدولي عن عزمهم على إجراء مسح لمزيد من القوارض هذا الأسبوع، وذلك بهدف تقييم أخطار الطاعون على البشر الموجودين ضمن إطار المنطقة الموبوءة.


قصة الطاعون



يحتل الطاعون مكانة مميزة في التاريخ القديم والحديث، ويعتقد بعض الباحثين بأن انهيار الحضارة الرومانية بسبب انتشار هذا المرض من خلال الجنود العائدين من الحرب، وكان من أهم أسباب فشل القائد الفرنسي نابليون بونابرت في احتلال عكا إبان الحملة الفرنسية هو تفشي الطاعون بين جنوده.


وتفشى الطاعون في القارات الثلاث أوروبا وأفريقيا وآسيا في أوقات متعددة. وسُمي المرض بالطاعون أو بالموت الأسود، وتميز بنسبة الوفيات العالية التي قد تصل إلى 50%.


ويسبب الطاعون بكتيريا اليرسينية الطاعونية (Yersinia pestis)، وهي بكتيريا سالبة الجرام تنتمي لعائلة المعويات (Enterobacteriacae)، وشكلها عصوي مائل إلى الكروي (Cocco-Bacilli)، ويمكن التعامل معها وتشخيصها مخبرياً بسهولة، خاصة مع تطور تقنيات الوراثة الجزيئية، وتستجيب لعدد من المضادات الحيوية التقليدية.


وسجل التاريخ العلمي انتشاراً شهيراً للطاعون عُرف باسم طاعون جوستينيان -باسم الإمبراطور البيزنطي جوستين- سنة 451 بعد الميلاد، واستمر حدوث أوبئة متقطعة لمدة مئتي سنة قتلت نحو 25 مليون إنسان وامتد الوباء إلى معظم دول حوض المتوسط.


أما في عام 1334 فقد بدأ انتشار ما عرف بالموت الأسود أو الطاعون العظيم في الصين، ومنها إلى القسطنطينية وسائر أوروبا، حيث حصد نحو 60% من مجموع سكان أوروبا، وبعض المؤرخين اعتبر حدوث هذا الوباء سبباً من أسباب النهضة في القرن 14، حيث سبب الطاعون نقصاً كبيراً في الأيدي العاملة، الأمر الذي أجبر الناجين على الحداثة والنهضة.


أما في عصرنا الحديث فكانت نقطة انطلاق الطاعون من الصين في ستينيات القرن 19، وبعدها إلى هونغ كونغ أواخر القرن، وحتى بداية القرن العشرين. وانتشر عبر الجرذان في السفن البخارية، وهذه المرة حصدت الجائحة نحو عشرة ملايين شخص.


وفي هذا الوباء تمت معرفة أن مسبب الطاعون هو بكتيريا، وأن المرض ينتقل عبر براغيث الجرذان؛ هذه المعلومات ساعدت في إيقاف الطاعون من خلال مكافحة البراغيث والجرذان خاصة في المدن، بينما يعتقد بأن المرض ما زال متوطنا في المناطق الريفية من خلال حمل الميكروب من قبل بعض أنواع السناجب والثدييات الصغيرة.


وهناك حالات نادرة من الإصابات تسجل في مختلف أنحاء العالم لتبقي العالم بأسره متيقظاً، حذرا وخائفاً من هذا المرض المرعب.


طاعون عمواس


طاعون عمواس الشهير في التاريخ الإسلامي سمي بطاعون عمواس نسبة إلى بلدة صغيرة في فلسطين بين الرملة وبيت المقدس، وذلك لأن الطاعون بدأ منها قبل أن ينتشر في بلاد الشام. ومن أبرز من قضوا فيه من الصحابة أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل ويزيد بن أبي سفيان وسهيل بن عمرو وغيرهم من أشراف الصحابة، وقدّر بعض المؤرخين أن هذا الطاعون حصد أرواح نحو 25 ألف إنسان.


أما رسولنا الكريم محمد صلوات ربي وسلامه عليه، فقد قال "إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا".


ومن أجمل المعاني في هذا الحديث تفسير كلمة إذا سمعتم، وهي كلمة تستخدم للتعبير عن عدم رؤية الحدث معاينة، أي إذا أخبرتم أو وصل إلى مسامعكم بأي شكل من الأشكال بأن الطاعون قد نزل بأرض فلا تذهبوا إليها تقليلاً من الخسائر ومنعاً لانتشار المرض، ولعل هذا الحديث يعد أول قواعد الحجر الصحي الذاتي في العالم.


وسجل في القرن العشرين بعض الأوبئة المحدودة في الهند وفيتنام، ولم يشهد العالم منذ ذلك الوقت أوبئة واسعة، وبقي الأمر محصوراً في بعض المناطق في أفريقيا وتسجيل حالات متفرقة.


ولا بد أن نذكر هنا أن التطور في مكافحة القوارض والحشرات واكتشاف المضادات الحيوية كانا لهما الأثر الأكبر في تضاؤل قدرة الطاعون على الانتشار والقتل.




كيف تحولت بكتيريا الطاعون إلى وباء فتاك؟


صورة مجهرية لبكتيريا "يرسينيا بستيس" (غيتي)




تسبب وباء الطاعون في وفاة الملايين من الأشخاص على مدار قرون من الزمن، ورغم أن جرثومته لم تكن خطيرة بهذا القدر، فإن تغيرات وراثية طفيفة كانت السبب في تحولها من كائن متوسط الخطورة إلى كائن فتاك.


وكبدت بكتيريا "يرسينيا بستيس" الجنس البشري كماً هائلاً من البؤس والتعاسة على مدار قرون عدة، إذ أبادت قرابة مئتي مليون شخص ونشرت أوبئة مروعة إبان القرنين السادس والرابع عشر الميلاديين.



غير أن هذه الجرثومة لم تكن دوماً بهذا القدر من الخطورة، إذ أعلن علماء يوم الثلاثاء أن تغييرات جينية طفيفة جرت قبل عدة قرون تضمنت إضافة جين حدثت له طفرات فيما بعد، حوّلتها إلى كائن خطير.


وتسببت بكتيريا "يرسينيا بستيس" في وباءين شرسين على مدى خلال التاريخ البشري: طاعون جوستينيان في القرن السادس إبان حكم الإمبراطور البيزنطي جوستينيان الذي أصيب بالمرض ولكنه شفي منه، وطاعون "الموت الأسود". وتتسبب البراغيث والفئران في نقل جرثومة المرض إلى البشر.‪التقديرات تشير إلى أن طاعون جوستينيان أباد ما بين 25 و50 مليوناً، وطاعون "الموت الأسود" 150 مليوناً‬ (بكتشر إليانس/دويتشه فيله)



تجارب حول الطاعون


وأجرى الباحثون تجارب على الفئران والجرذان لرصد التغيرات الجينية الفتاكة التي طرأت على هذه البكتيريا، واستخلصوا سلالة قديمة من البكتيريا لا تزال موجودة في العالم تم عزلها من إحدى قوارض منطقة آسيا وأدخلوا عليها جينا يتسبب في إذابة جلطات الدم، الأمر الذي أدى إلى إضفاء قوة فتك جبارة إلى البكتيريا تسببت في إصابة رئوية قاتلة.


وأدت إضافة هذا الجين على مر العصور إلى تحويل بكتيريا "يرسينيا بستيس" من كائن مسبب للأمراض -منها عدوى بسيطة في المعدة والأمعاء- إلى نوع قاتل يسبب مرضاً تنفسياً وبائياً شرساً يسمى الالتهاب الرئوي الطاعوني.


كما وجد العلماء أن طفرة معينة من نفس الجين -وهي طفرة موجودة في السلالات الحديثة من هذه البكتيريا- مكنت الجرثومة من الانتشار داخل جسم الإنسان واختراق الغدد اللمفاوية، مثلما يحدث في مرض الطاعون الدبلي.


وقال عالم الميكروبيولوجيا في كلية طب شيكاغو وندام لاثيم الذي أشرف على البحث الذي أوردته دورية "نيتشر كومينيكيشنز"، إن التقديرات تشير إلى أن طاعون جوستينيان أباد ما بين 25 و50 مليوناً من البشر، بينما أهلك طاعون "الموت الأسود" 150 مليوناً على الأقل.

google-playkhamsatmostaqltradent