recent
أخبار ساخنة

السرطان: مشكلة مزدوجة للأورام

الصفحة الرئيسية

عندما تقوم بعض الخلايا السرطانية بحذف الجين المثبط للورم، فإنه يحذف أيضًا الجينات الأخرى القريبة. ويتضح أن أحد هذه الجينات الأخرى تلعب دورًا رئيسيا في الاستقلاب، ما يكشف عن فرصة علاجية قد تكون مناسبة لكثير من الأورام.

الاماتة بالتبعية

في أثناء عملية تطوُّر السرطان، تعمد عدة خلايا سرطانية إلى حذف الجينات المثبطة للأورام، التي تمنع نمو الورم. وكثيرًا ما تؤدي عملية الحذف هذه إلى إزالة بعض الجينات المجاورة. وهذا الفقد الجزئي أو الكلي للجينات المجاورة يمكنه أن يجعل الخلايا السرطانية عرضة للاستهداف العلاجي، وهو مفهوم يُعرف باسم "الإماتة بالتبعية"(1).


ففي بحث نُشر مؤخرًا بدورية Nature، كَشَفَ دِيي وزملاؤه (2) مثالًا على مفهوم "الإماتة بالتبعية" هذا، في سرطان البنكرياس، الذي يستغل التغيّرات الحادثة في الاستقلاب الخلوي.

يستند مفهوم "الإماتة بالتبعية" على فرضية أن الخلايا السرطانية تبقى حية بعد عملية الحذف المشتركة للجينات المجاورة، ذات الوظائف الأساسية، إذ إنّ خسارة كهذه تُعوّض وظيفيًّا من قِبَل جين وثيق الارتباط، موجود في أي مكان آخر من الجينوم. إن استهداف هذه الجينات وثيقة الارتباط يجب أن يكون مميتًا للخلايا السرطانية فقط، تلك التي فقدت الجينات الأولية، ما يقدِّم استراتيجية علاجية انتقائية للسرطان.

وهناك مفهوم آخر مماثل، استُغِلّ إكلينيكيًّا من أجل الأورام التي تفتقر إلى جينات BRCA، التي لها دور في أحد مسارات إصلاح الحمض النووي (3). تعاني هذه الأورام المفتقرة إلى جينات BRCA من خلل في قدرتها على إصلاح الحمض النووي، وهي عرضة لتثبيط مسار بديل لإصلاح الحمض النووي، يعتمد على بروتينات PARP.  وقد ظهرت نتائج إكلينيكية واعدة لاستخدام مثبطات PARP، بوصفها أحد مكونات علاج سرطان الثدي، وسرطان المبيض (4).

سرطان الغدة البنكرياسي

سرطان الغدة البنكرياسي مرض خبيث عدواني، وله مؤشرات تشخيصية إكلينيكية سيئة. ولذا.. ثمة حاجة ملحّة لعلاجات محسّنة له. ورغم أوجه التقدم الملموس في فهْمنا لبيولوجيا سرطان البنكرياس، لا يوجد علاج إكلينيكي مديد وفعال للمرحلة المتأخرة من السرطان الغدي القنوي البنكرياسي، وتطيل العلاجات الحالية مدة البقاء عدة أشهر فقط (5) (6).


تتميز خلايا الأورام بتغيّرات في الاستقلاب الخلوي، ما يخلق فرصة لتطوير أصناف جديدة من العوامل المضادة للسرطان (7). وتحتضن الخلايا السرطانية في البنكرياس شبكات من عمليات الاستقلاب، خضعت لعمليات إعادة توصيل مكثفة، بسبب نشاط بروتين  KRAS . ولهذا الأمر تأثيرات على تطوير الأدوية، إذ إنّ الجزيئات الناتجة في نهاية مسار بروتين KRAS تُعتبر أهدافًا علاجية محتملة نوعية للسرطان. (8)


وإضافة إلى معدّل الطفرات العالي في الجين KRAS، الذي يولّد البروتين KRAS المحفّز للأورام،(9) يتصف  سرطان الغدة القنوي البنكرياسي بتعطيل بعض الجينات المثبطة للأورام، ومنها الجين SMAD4. وقد ركّز دِيي وزملاؤه على مجموعة فرعية من خلايا السرطان الغدة القنوي البنكرياسي، تؤدي لحذف نسختي الجين SMAD4؛ ووجدوا أن هذه المجموعة الفرعية ترتبط بفقْد الجينات المجاورة المشاركة في المسارات الاستقلابية الأساسية. أحد هذه الجينات المجاورة هو جين إنزيم ماليك الثاني الخاص بالميتوكوندريا (ME2).

وأشار الباحثون إلى أن انخفاض التعبير عن البروتين ME2 يؤدي إلى زيادة تعويضية في التعبير عن بروتين آخر، وثيق الارتباط بالأول، هو إنزيم ماليك الثالث الخاص بالميتوكوندريا (ME3). وانخفاض التعبير عن هذا الإنزيم - المُلاحَظ في الخلايا الطبيعية - يجعل البروتين هدفًا جذابًا للنهج العلاجي النوعي للسرطان، إذ إنّ نضوبه الوظيفي من شأنه أن يؤثر فقط على الخلايا السرطانية التي تعبِّر عن بروتين ME3 بمستويات مرتفعة، ويترك الخلايا الطبيعية، دون أن يؤثر عليها.

يعمل بروتين ME2، وبروتين ME3 على تحويل الجزيء الاستقلابي "ماليت" إلى "بيروفيت"، وهو جزيء أساسي في العديد من المسارات الاستقلابية. وتشارك هذه الإنزيمات أيضًا في تجديد العامل المساعد NADPH، الضروري للعمليات الاستقلابية المنتجة للنوكليوتيد ATP، وهو الجزيء الرئيس الحامل للطاقة في الخلية (10).


وقد أظهر الباحثون أنه عند فقد بروتين ME2، فإن الزيادة التعويضية الناتجة في بروتين ME3 تُعتبر كافية للحفاظ على استمرار العمليات الاستقلابية المؤدية إلى إنتاج الـATP، التي تدعم المطالب التخليقية الحيوية وذات الطاقة العالية للخلايا السرطانية المتكاثرة. كما أظهر الباحثون أن حذف بروتين ME2 يجعل الخلايا عرضة لفقدان بروتين ME3 في الخطوط الخلوية البشرية، ونماذج زرع سرطان البنكرياس في الفئران. وقد ووجدوا أن هذه الحساسية ترجع إلى عدة اضطرابات استقلابية في الخلايا السرطانية، التي تفتقر إلى بروتين ME2، بما فيها الخلل في وظيفة عضيات خاصة بالميتوكوندريا؛ والمستويات المنخفضة من NADPH؛ والمعدلات المرتفعة من أنواع الأكسجين التفاعلي، التي تعمل في مسارات الأكسدة والاختزال؛ وعملية التجديد المعيبة للحمض الأميني الجلوتاميت، وهو مُستقْلَب لا غِنى عنه في خلايا سرطان البنكرياس. كما وجد الباحثون أن حذف الجينَين ME2،وME3 سيؤدي إلى موت الخلايا السرطانية، وإلى خلل في الحفاظ على الورم.

في الخلايا الطبيعية، يتموضع الجين المثبط للورم SMAD4 بجوار الجين ME2، الذي يرمّز إنزيمًا يلعب دورًا أساسيًّا في الاستقلاب الخلوي. وقد وجد ديي وزملاؤه2 أن حذف SMAD4 في خلايا السرطان الغدي القنوي البنكرياسي البشري يمكن أن يرتبط بفقْد ME2. ويؤدي هذا الفقْد إلى زيادة في التعبير عن إنزيم ME3 وثيق الصلة؛ ما يؤدي إلى توفير تعويضات وظيفية؛ من أجل الوظائف الاستقلابية الأساسية التي يقوم بها الإنزيم. وعادةً تعبِّر الخلايا الطبيعية عن كميات قليلة من الجين ME3، ولا تموت إذا حُذف، لكن إذا ما حُذف هذا الجين من الخلايا السرطانية التي تفتقر إلى الجين ME2، فإن هذا يسبب موت الخلية نتيجة للاضطرابات الاستقلابية، التي تشمل مستويات منخفضة من العامل المساعد NADPH، ومن الحمض الأميني الجلوتاميت، وكذلك مستويات مرتفعة من أنواع الأكسجين التفاعلي (ROS). إن هذا النهج الذي يتقصَّى نقاط الضعف الاستقلابية، ودور الجينات التي حُذفت مع الجينات المثبطة للأورام، يقدِّم إطار عمل جديدًا لإيجاد أهداف علاجية.

وتكشف هذه النتائج عن نقطة ضعف لم تكن معروفة مِن قَبْل في السرطان الغدي القنوي البنكرياسي، بسبب تغيُّر الاستقلاب الخلوي، كما تسلّط الضوء على إمكانية الاستهداف الدوائي للمسارات الاستقلابية، المُعَاد توصيلها في الخلايا السرطانية. وقد برز استهداف حالة الأكسدة والاختزال المتغيرة لسرطان البنكرياس (11) كنهج علاجي واعد. وفي الخلايا السرطانية، التي يقودها البروتين KRAS، يحتاج تأثير الأكسدة الخلوية المفرطة - التي تُحْدِثها زيادة نشاط الميتوكوندريا - إلى مواجهته، عن طريق إنتاج كميات كبيرة من الجزيئات المضادة للأكسدة (12). وقد يدفع الإخلال بالوظيفة المضادة للأكسدة بأكسدة الخلايا السرطانية بمستويات سامة، ما يكشف عن احتمالات إضافية للأساليب الإكلينيكية، ويقدم مبررًا لعلاجات السرطان التي يقودها البروتين KRAS، والمصمَّمة لتشمل عوامل مؤكسدة، أو غيرها من العوامل التي تستهدف توابع عملية الأكسدة والاختزال.

نقطة ضعف الخلايا السرطانية

وعلى أي حال، قد يؤدي استهداف نقاط الضعف الاستقلابية، وتلك ذات الصلة بعملية الأكسدة والاختزال في الخلايا السرطانية، إلى تطور مقاومة للعلاج في نهاية الأمر. لذا.. ستكون هناك حاجة إلى تحسين فهْمنا لشبكات عمليات الاستقلاب، والأكسدة، والاختزال؛ لمعالجة مسألة مراوغة مثل تلك العلاجات الانتقائية. ومع ذلك.. فإن استهداف الجزيئات الأساسية المطلوبة لتمكين إعادة توصيل عمليات الاستقلاب، والأكسدة، والاختزال في الخلايا السرطانية يبدو استراتيجية علاجية واعدة. ورغم أن العقاقير التي تستهدف الجينات المحفّزة لتطوُّر السرطان (الجينات المسرطنة) ستبقى - بلا شك - مصادر فعلية للعلاجات، فإن السعي وراء أهداف "الإماتة بالتبعية" كنهج مُرافِق قد يكشف أيضًا عن فرص علاجية جديدة.


بَحَثَ دِيي وزملاؤه حالةً، فُقدت فيها نسختان من جين استقلابي مجاوِر لجين مثبط للورم، إلا أن فقدان نسخة واحدة من جينات أساسية أخرى قد يؤدي أيضًا إلى حدوث اعتمادات بالتبعية. وقد يكون فقْد نسخة واحدة أمرًا نوعيًّا للأورام الفردية، أو قد يكون أوثق صلةً، إذا ما رُبط بالجينات المثبطة للأورام، التي كثيرًا ما تُفقد. إنّ نظرة كهذه على مرض السرطان قد توسِّع آفاق الأهداف العلاجية المحتملة، وتمكِّن مِن تقديم رعاية طبية شخصية حقًّا.


المصادر:

· جوليا بيفي
· ديفيد إيه. توفيسون

Nature (2017) doi:10.1038/nature21117 | Published online 8 Mar 2017 | English article


1. Muller, F. L., Aquilanti, E. A. & DePinho, R. A. Trends Cancer 1, 161–173 (2015).
2. Dey, P. et al. Nature 542, 119–123 (2017).
3. Lord, C. J. & Ashworth, A. Nature 481, 287–294 (2012).
4. Farmer, H. et al. Nature 434, 917–921 (2005).
5. Von Hoff, D. D. et al. N. Engl. J. Med. 369, 1691–1703 (2013).
6. Conroy, T. et al. N. Engl. J. Med. 364, 1817–1825 (2011).
7. Vander Heiden, M. G. Nature Rev. Drug Discov. 10, 671–684 (2011).
8. Ying, H. et al. Cell 149, 656–670 (2012).
9. Biankin, A. V. et al. Nature 491, 399–405 (2012).
10. Jiang, P., Du, W., Mancuso, A., Wellen, K. E. & Yang, X. Nature 493, 689–693 (2013).
11. Chio, I. I. C. et al. Cell 166, 963–976 (2016).
12. DeNicola, G. M. et al. Nature 475, 106–109 (2012).
google-playkhamsatmostaqltradent