recent
أخبار ساخنة

اجراءات تقييم العلاج قبل التجريب على الانسان

OTHMANE RAJJAL
الصفحة الرئيسية
Illustration by Richard Wilkinson


التجارب السريرية شر لابد منه

توفي رجل يتمتع بكامل صحته في فرنسا في أواسط شهر يناير 2016 وذلك بعد تناوله لدواء تجريبي جديد إثر أولى المناولات له على البشر و في الاطار نفسه أُصيبَ أربعة من بين خمسة أشخاص آخرين بمضاعفات عصبية خطيرة ومستمرة بعد أن تناولوا الجرعة نفسها من الدواء


التحقيقات التي أجريت أكدت على أنه لا يتم احترام ممارسات السلامة مثل الزيادة في الجرعات للأشخاص المجرى عليهم الاختبار ولا يتم احترام فترات الانتظار البينية للجرعات حتى يتم التأكد من أمانها.
وعلى إثر هذه الحادثة المأساوية أمرت الوكالة الوطنية لسلامة الأدوية (ANSM) الفرنسية بإجراء فحص للمعلومات التي كانت قد قُدِّمت بواسطة مطور الدواء شركة "بيال" Bial، للجان الأخلاقيات وللباحثين المحتمَلين قبل إجراء التجربة (انظر: go.nature.com/2j88gqy)

يشير التقرير أن (نشرة الباحث) المكونة من 63 صفحة، والتي تصف التجربة، تضمنت أقل من صفحتين من الأدلة على أن للدواء التأثير العلاجي المرغوب. واكتفت النشرة بتقديم دراستين فقط كدليل على فاعلية الدواء، وكلتاهما تطرحان إشكاليات.
في إحدى الدراستين أدرجت شركة "بيال" بيانات خاصة بدواء مختلف تم تسويقه تُبين أنه كان أكثر فاعلية من دواء "بيال" في تخفيف الألم لدى الحيوانات، ولكنها لم تدرج تلك المعلومات في رسم توضيحي ملخص.

كذلك أظهرت كلتا الدراستين ما قبل الإكلينيكيتين ظهور تأثيرات إيجابية "متوسطة" فحسب للدواء. بالإضافة إلى ذلك، كان قد تم اختبار دواء "بيال" وفقًا لسلسلة متتالية من الجرعات على الفئران جعلت من المستحيل تقدير الأقرب لأن تكون فعالة على البشر.
ومنه فان الأدلة المقدمة لدعم تجربة الدواء على البشر كانت غير كافية في حين ترى شركة "بيال" أنه لا يمكن التنبؤ بمعدلات السُّمِّية وأنها طبقت جميع معايير الاختبارات التي تُجرى على البشر.


تقييم العلاج قبل التجريب على الانسان


من شأن اعتماد تقييمات أكثر شمولية للفاعلية الإكلينيكية، قبل البدء في إجراء التجارب الفعلية، أن يقلل من معدلات فشل الدواء ومن تكاليف تطويره. في الوقت الراهن يُمنى بالفشل أكثر من نصف عدد الأدوية التي تصل إلى المراحل التالية من الاختبارات على البشر (تجارب المرحلتين الثانية والثالثة) لأن تلك الأدوية لا تثبت كفاءتها. وحاليًّا يُعَد تقييم الأدلة ما قبل الإكلينيكية مهمًّا بصفة خاصة. من المرجح أن يقلل المرشحون المفضلون لمنصب الرئيس القادم لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) من المتطلبات الراهنة التي تشترط ضرورة أن يُثبت الدواء فاعلية لدى تجربته على البشر قبل طرحه في الأسواق. وإن حدث ذلك، فقد يسفر عن انخفاض مستوى المعايير الخاصة بتدشين التجارب الإكلينيكية في الولايات المتحدة، وبالتالي يؤدي إلى ترخيص عقارات غير فعالة وفي الوقت نفسه أيضًا التقليل من الحوافز لإجراء أبحاث جديدة.


تعمل الجهات التنظيمية في أوروبا وأمريكا الشمالية على تقييم أمان الدواء قبل أن يصبح ممكنًا البدء بالتجارب على البشر، ولكن تلك الجهات نفسها لا تطلب في الوقت الراهن أدلة على الفاعلية المحتمَلة له. في ورشة عمل عقدتها الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة في سبتمبر الماضي قال الخبير بمركز تقييم وأبحاث الدواء التابع لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية، روبرت تيمبل: إن الإدارة قد تركت المسألة بشكل كبير بيد رعاة الأدوية لتقييم مبرراتهم المنطقية بخصوص مدى احتمالية فاعلية دواء تجريبي معين، وأضاف تيمبل:

"لا أذكر أية حالات قالت فيها الإدارة لرعاة الأدوية إنه ليس بمقدورك تنفيذ المرحلة الأولى من هذه الدراسة لأننا في الحقيقة متشككون بشدة".

وتلتزم الوكالة الأوروبية للأدوية (EMA) -وهي الجهة التنظيمية المختصة بالأدوية في أوروبا- الصمت نفسه حيال تقييم الأدلة الإكلينيكية، حتى فيما يتعلق بالمراجعات المقترحة للمبادئ التوجيهية التي دفعت إليها قضية شركة "بيال" المذكورة آنفًا.


لا يمكن الوثوق بأن تضمن المصالح التجارية عدم بدء التجارب على البشر إلا في الحالات التي يتوفر فيها دليل قوي على الفاعلية الإكلينيكية المحتملة. ونعتقد أن الكثير من دراسات التجارب الأولى على البشر أُطلقت بناء على أدلة واهية لم تخضع لتدقيق وافٍ. وقد خلص معهد إيه إل إس لتطوير العلاجات (ALS Therapy Development Institute)، الذي يدرس المرض العصبي الحركي المعروف بالتصلُّب الجانبي الضُّموري، من خلال أبحاثه الخاصة على الحيوانات، إلى أن العديد من المركبات التي مُنِيَت بالفشل في التجارب الإكلينيكية، اعتمدت على تجارب ما قبل إكلينيكية تم إجراؤها أو تصميمها بشكل سيئ لدخول مرحلة التجارب على البشر(1).


" يجب علينا التخلي عن وهم الاعتقاد بأن أنظمة المراقبة الراهنة مناسبة".


ابتُليت الدراسات قبل الإكلينيكية عبر مجالات العلوم الطبية بسوء في التصميم والتنفيذ وإعداد التقارير (2) وتشير العديد من التحقيقات إلى أن حجم التأثيرات التي يمكن ملاحظتها في الكثير من الدراسات قبل إكلينيكية غير قابلة للتكرار (3) أو أنها لا تعكس السيناريوهات السريرية المرجوة (4) على سبيل المثال دخلت عشرات المُركّبات التي تهدف إلى حماية المخ بعد الإصابة بالسكتة الدماغية مرحلة التجارب بناءً على دراسات ما قبل إكلينيكية متواضعة النتائج، أو أنها أجريت في ظل ظروف غير واقعية من الناحية الإكلينيكية، مثل إعطاء دواء الجلطات للحيوانات دون الأخذ في الاعتبار الفترة الزمنية التي تفصل عادةً ما بين إصابة الشخص بالجلطة وتلقيه للعلاج (5).


نادرًا ما يكون للتجارب المبكرة على البشر نتائج وخيمة 6. فوفقًا للوكالة الأوروبية للأدوية 7، ومن بين 3100 تجربة من التجارب الأولى على البشر التي أشرفت عليها الوكالة منذ العام 2005، وقع حادثان خطيران اثنان فقط. لكن، حتى لو لم يتعرض الأفراد المشاركون للأذى، فإن التجارب التي تُجرى على علاجات غير فعالة تُلقي أعباءً على المجتمع. فتطوير الأدوية أمر مكلف من الناحيتين المادية والبشرية. فمثلًا، لا يعود المرضى والمتطوعون الأصحاء والخبراء المشاركون في اختبار دواء غير فعال متاحين دائمًا للمشاركة في تجارب على أدوية واعدة. كذلك ينتج عن النفقات المهدرة على علاجات غير فعالة وتجارب غير مبنية على أسس علمية، ارتفاع في أسعار الأدوية بدرجة كبيرة. وتقع على المحققين والمؤسسات المضيفة والرعاة مسؤولية النظر في جميع تلك المسائل قبل الشروع في برامج بحثية جديدة.


بالإضافة إلى ذلك، ثمة التزامات أخلاقية على الباحثين لكي "يضمنوا أن المخاطر التي يتعرض لها المشاركون في التجارب معقولة لدى مقارنتها بالفوائد المتوقعة منها"، وذلك وفقًا لإرشادات إدارة الغذاء والدواء. تقوم تلك الجهات التنظيمية صراحة بتفويض لجان المراجعة الأخلاقية لإجراء تلك التقييمات. ووفق التعريف فإنه لا يبرر سحب عينات الدم من المختبرين، وإعطاءهم مواد غريبة، وعدم شعورهم بالراحة إلا فكرة أن البحث المتضمن لتلك المنغِّصات سيُسهم -على الأرجح- في تطوير المعرفة الطبية وعلاجات محتملة. تلك الأدلة لا توفرها مجموعة اختبارات السميّة على الحيوانات وعلى الجرعات التي تشترط الجهات التنظيمية إجراءها قبل السماح بنقل التجارب إلى البشر. وبالرغم من ذلك، فإن المجالس الأخلاقية غالبًا ما تعتبر الموافقة التنظيمية بمنزلة علامة على توفر الأدلة السريرية.
تمكين المواثيق الأخلاقية


ماذا ينبغي أن نفعل؟

أولًا يجب أن تشمل المستندات التي يقدمها رعاة الأدوية إلى المحققين واللجان الأخلاقية كل النتائج السلبية وغير المرضية الواردة من الدراسات التي أجريت على الحيوانات، إن وُجدت. كذلك يجب أن تلخص تلك المستندات أيضًا النتائج التي أسفرت عنها الاختبارات والتجارب الإكلينيكية لمنتجات أخرى من نفس فئة الدواء. ويمكن إلزام رعاة الدواء بتوقيع إقرار يشهدون فيه أن الأدلة الإكلينيكية وما قبل الإكلينيكية المقدمة بشأن الفاعلية مكتملة وغير متحيزة كإحدى الوسائل البسيطة للحد من مسألة انتقاء البيانات الإيجابية فقط. كذلك يجب تشجيع المحققين المحتملين أيضًا -مثلما هو الحال مع محرري المخطوطات والمراجعين الأقران- على طلب المزيد من المعلومات بعد قراءة المواد المقدمة من الشركة.


ثانيًا، لا يجب أن تمضي التجارب الأولى للدواء على البشر في طريقها إلا بعد فحص دقيق للأدلة قبل الإكلينيكية بواسطة أشخاص يمتلكون خبرة مناسبة واستقلالية عن الجهة الراعية للدواء. من واقع خبرتنا، فإن مجالس المراجعة المؤسسية والمحققين السريريين غالبًا ما يزعمون أنهم يفتقرون إلى الموارد والخلفية اللازمة لإجراء تلك التقييمات.


عوضًا عن ذلك، نقترح إنشاء نظام استشاري مركزي للتجارب الأولى على البشر يجمع ما بين المراجعة الأخلاقية والمراجعة العلمية. وهناك أمثلة سابقة عدة في هذا الإطار. فقد عملت اللجنة الاستشارية المعنيَّة بالحمض النووي المهجَّن (Recombinant DNA Advisory Committee) (التي تتولى مراجعة البروتوكولات الجديدة لنقل الجينات) على تقييم الأدلة على كلٍّ من الخطورة والفاعلية منذ أن بدأت في مراجعة دراسات نقل الجينات البشرية في العام 1989. وتتضمن الأمثلة الإضافية على المراجعة المركزية من قِبَل خبراء للتجارب الإكلينيكية في الولايات المتحدة، منصة الاعتماد بمجلس المراجعة المؤسسية SMART IRB في المركز الوطني لتطوير العلوم المتعدّية، ومجلس المراجعة المؤسسية المركزي بالمعهد الوطني للسرطان، و"الفقرة 407 من إجراءات المراجعة" التي صاغها مكتب حماية البحوث على البشر بشأن بعض التجارب الخاصة بالأطفال.


سوف تتكون الآلية الاستشارية للتجارب الأولى على البشر، كما نتصورها، من لجان فرعية تتخصص في النواحي السريرية (على سبيل المثال: مرض التَّنَكُّس العصبي والسرطان والأمراض القلبية الوعائية). وسوف يتم إدراج تقييمات اللجنة الاستشارية، مثلما هو الحال في معظم الأمثلة المذكورة أعلاه، في المواد المقدمة إلى المحققين الأطباء واللجان الأخلاقية المحلية.


ثلاثة أسئلة لتقييم الالتزام الإكلينيكي



تتطلب الأخلاقيات تقييمًا واضحًا لفاعلية الدواء المحتملة. ويمكن للأسئلة الثلاثة التالية الإسهام في توفير قدر من التوضيح.

ما احتمالية أن يُثبت الدواء فاعليته من الناحية الإكلينيكية؟

  • كيف كان أداء الأدوية الأخرى التي تنتمي إلى الفئة نفسها أو الموجهة نحو الهدف نفسه في التجارب على البشر؟
  • ماذا عن مفعول الأدوية الأخرى التي تتصدى لمراحل المرض نفسها؟


لنفترض أن الدواء قد أثبت نجاعة لدى البشر، ما احتمالية ملاحظة النتائج قبل الإكلينيكية؟

  • هل الآثار العلاجية التي ظهرت على الحيوانات ملحوظة ومتسقة على نحوٍ كافٍ لاقتراح وجود فائدة ملموسة أيضًا للمرضى؟
  • إلى أي مدى تعكس النماذج الحيوانية الأمراض البشرية؟


لنفترض أن الدواء لم ينجح مع البشر. ما احتمالية مراعاة النتائج قبل الإكلينيكية؟

  • هل روعي الحد من آثار التبايُن العشوائي والتحيُّز (على سبيل المثال بواسطة أحجام العينات، والاختيار العشوائي، والتعمية، ومنحنيات الاستجابة للجرعة، والضوابط المناسبة)؟
  • هل تتناسب ظروف التجربة (على سبيل المثال، عمر النماذج الحيوانية وتوقيت العلاجات والنتائج) مع السيناريوهات السريرية؟
  • هل تكررت التأثيرات نفسها في نماذج مختلفة و/أو مختبرات مستقلة؟


يمكن اتخاذ العديد من الخطوات على وجه السرعة، من بينها اقتراح تشكيل فريق تابع للأكاديمية الوطنية للعلوم لتقديم استشارات بشأن أفضل الطرق لاستغلال الأدلة قبل الإكلينيكية في تقييم الفاعلية الإكلينيكية للدواء. من شأن ذلك تحديد الأولويات فيما يتعلق بماهية التقييمات المطلوبة بشدة، وفحص الوسائل المُثلى لاستيعاب مراجعة الأدلة قبل السريرية الأكثر دقة في كيانات المراقبة القائمة بالفعل.


هناك خطوة أخرى مقترحة تتمثل في تشجيع المجالس الأخلاقية بالجامعات على تعيين أعضاء مخصصين من ذوي الخبرة الطبية في المجال المطلوب تقييمه؛ وذلك لتلخيص التجارب وتقييمها في مراحلها المبكرة. ولو أردنا أن نطمح لأكثر من ذلك، يمكن للممولين إنشاء مجالس لتقديم النصح والمشورة بشأن المسائل الشائكة التي تتداخل فيها الأبحاث الحيوانية مع التجارب البشرية. وهذه المجالس من شأنها العمل بطريقة تشبه إلى حد كبير عمل اللجنة الاستشارية المعنيَّة بالحمض النووي المهجَّن، ولكنها تركز على العلاجات التي تمثل خطورة أو التي تمتلك آليات عمل لم يجرِ اختبارها مطلقًا من قبل.


يجب علينا التخلي عن وهم الاعتقاد بأن أنظمة المراقبة الراهنة مناسبة لحماية المتطوعين في التجارب الأولى للأدوية على البشر أو لرعاية الجهود العلمية.


المقال الأصلي باللغة الانجليزية
كلمات مفتاحية
امكانية التجريب على العلوم الانسانية تجارب على الانسان اخطر تجارب على الانسان اجراء تجارب على الانسان تدريب على حقوق الإنسان هل يمكن التجريب على العلوم الانسانية
المصادر
  • 1. (Perrin, S. Nature 507, 423–425 (2014
  • 2. (Rice, A. S. C. et al. Pain 139, 243–247 (2008
  • 3. (Steward, O. et al. Exp. Neurol. 233, 597–605 (2012
  • 4. (Henderson, V. C. et al. eLife 4, e08351 (2015
  • 5. (Ginsberg, M. D. Stroke 40, S111–S114 (2009
  • 6. (Johnson, R. A., Rid, A., Emanuel, E. & Wendler, D. Clin. Trials 13, 149–160 (2016
  • 7. (Bonini, S. & Rasi, G. N. Engl. J. Med. 375, 1788–1789 (2016
  • 8. (Kimmelman, J. & Henderson, V. J. Med. Ethics 42, 50–53 (2016
  • 9. (Kimmelman, J. et al. Nature 533, 311–313 (2016
  • 10. (Wagner, T. H., Murray, C., Goldberg, J., Adler, J. M. & Abrams, J. J. Clin. Oncol. 28, 662–666 (2010
google-playkhamsatmostaqltradent